بحث هذه المدونة الإلكترونية

29‏/9‏/2011

الشّهادة

- أرجو من الجميع التزام الهدوء .. اسمك و سنك يا مواطن !
- محمد حسين طنطاوي .. وزير الدفاع
- السادة المحامين , سأترك الشاهد يروي شهادته لتسلسل الأحداث منذ الساعات الأولى للثورة ,بحرية تامة .. ولكم أن تسألوه بعد أن ينتهي .. تفضل يا سيادة المشير 
- بسم الله الرحمن الرحمن .. اجتمعت و الرئيس السابق و وزير الداخلية السابق و مدير المخابرات العامة السابق يوم 23 يناير لبحث كيفية التعامل مع المظاهرات المخطط لتسييرها يوم الخامس و العشرين .. لم يتوقع أحد أن تكون الحشود بهذه الضخامة فكانت الاستعدادات عادية جدا .. اجتمعنا ثانية مساء الخامس و العشرين لبحث التطورات غير المتوقعة .. طلب وزير الداخلية أن يساعده الجيش , لأنه يرى أن الشرطة لن تستطيع التصدي لكل هذه الجماهير .. أنا و قيادات القوات المسلحة جميعا كان لدينا الكثير من التحفظات على الطريقة التى أديرت بها البلاد قبل الثورة .. كان لدينا اتفاق غير مكتوب على دعم أي تحرك شعبي قوي من أجل التغيير بكل ما نستطيع .. كانت مظاهرات الخامس و العشرين من يناير مفاجأة سعيدة بالنسبة لنا .. لكننا لم نشأ التدخل منذ البداية , حتى لا يبدو الأمر كأنه مجرد انقلاب عسكري , و لأننا كنا ننتظر اتساع المشاركة في الثورة لتشمل جميع طوائف الشعب .. 
لذلك , حين طُلب مني إشراك الجيش في قمع الغضب الشعبي طلبت مهلة للتشاور مع قيادات القوات المسلّحة للوقوف على مدى جاهزيتها للاضطلاع بهذه المهمة .. 
أبدى جميع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلّحة غضبهم الشديد بسبب التعامل القاسي جداً من قبَل الشرطة مع الشباب الغاضب , و لكن آثرنا تأجيل التدخّل إلى الوقت المناسب .. 
ثم حدث أن انهارت الشرطة في جمعة الغضب و طلب منّي الرئيس السابق النزول بقوات الجيش فوراً للتعامل مع المتمرّدين على حد تعبيره .. أخبرته أن الجيش ليس لديه الخبرة الكافية للتعامل مع أعمال الشغب و لكن يمكن أن ينزل من أجل تأمين االمنشآت و الأماكن الحيوية  ..  فوافق على مضض .. و مع استمرار المظاهرات و سقوط البورصة و تراجع السياحة و إصابة الدولة بحالة من الشلل , انتابت الرئيس السابق حالة من الغضب الشديد و نفاد الصبر .. طلب منى التعامل  مع المتمردين و إخلاء ميدان التحرير فوراً و إلا سيكون له معي تصرّفٌ آخر !
أخبرت أعضاء المجلس الأعلى بالتطور الخطير , و رأينا جميعاً أنّه حان الوقت للتدخل .. أرسلنا للرئيس السابق نخّيره بين الاستجابة الفورية لكافّة مطالب المتظاهرين المشروعة , أو الانقلاب .. وافق الرئيس السابق على التنحّي حفاظاً على ما تبقّى من هيبته .. لكن في آخر لحظة , تدخّل نجلُهُ جمال .. و عدّل خطاب التنحّي إلى تفويض عبثيّ للسلطات إلى نائب رئيس الجمهورية !
هنا , أصبحنا مضطرين لاتّخاذ الخطوة المؤجلّة , لكّن فضّلنا أن يبدو الأمر و كأنّ الرئيس السابق قد تخلّى عن المنصب من تلقاء نفسه , حتى لا نسرق فرحة الجماهير الثائرة بانتصارها .. فكان خطاب التخلّي التاريخيّ الذي ألقاه السيد عمر سليمان ..
أرجو من سيادتكم الالتزام بحظر النشر فيما يخصُّ هذه الشّهادة , كي تظلّ الثورة للشعب وحده .. فالقوات المسلحة سعيدة بأن تكون هي الجنديّ المجهول .. المستعدّ للتضحية بدمائه من أجل الوطن و شعبه العظيم ..
حفظ الله مصر و وفّق شعبها لما في خيرها و رخاؤها ...
" تصفيق حار اندلع في جنبات القاعة ..  غطّى على صياح المتهمين بأنهم مظلومون و أنّ المشير يكذب .. لم يسمعهم أحدٌ بسبب الهتافات المدوية بحب الجيش و المشير .. القاضي و مساعدوه انخرطوا في البكاء تأثّراً بما فعله الجيش في الخفاء من أجل البلاد ..
أغربُ ما في الأمر أنّ هيئة الدفاع عن المتهمين شاركت بحماسة منقطعة النظير في التصفيق و الهتاف .. كبير محاميّي المتهمين يهرول نحو المشير لتقبيل يده , فيسحبها الأخير بسرعة في حياء .. 
بعد ساعات قليلة قامت إحدى صحف الثورة بتسريب النص الكامل لشهادة المشير , ثم أذاعتها كافة القنوات و الصحف , فانطلقت المظاهارت العارمة تعبيراً عن حب الشعب للمشير و جيشه .. و مطالبةً ببقاء المشير و مجلسه في السلطة حتى تسترد البلاد عافيتها .."
و هكذا , عاش الشعب و الجيش في تبات و نبات و رخاء و حب .. 
لكنّ أحداً لم يتذكّر أن المشير لم يحلف اليمين قبل الإدلاء بشهادته .. و هذا ليس مهماً بالطبع !