بحث هذه المدونة الإلكترونية

31‏/10‏/2011


ظل الأفعىظل الأفعى by يوسف زيدان

My rating: 4 of 5 stars


"الإنسان سؤال لا إجابة، وكل وجود إنساني احتشدت فيه الإجابات .. هو وجود ميت"
*************
"غالبية الحكام، وربما كلهم، كان الواحد منهم يعانى دوما من شعوره الضاغط الطاغى على نفسه، بأنه تولّى الأمر عن غير استحقاق فعلي. ومع طول ضغط هذا الشعور وطغيانه فى نفس الحاكم، يتولّد عنده الإحساس باحتقار الذات. فإذا خلا هذا الحاكم أو ذاك، بنفسه، وغاص عميقا داخل ذاته .. فما ثمّ إلا أمران يؤرقانه: كيف يحافظ على عرشه من الطامعين فيه، وكيف يتخفف من طغيان شعوره باحتقار الذات .. شعوره غير المعلن بالطبع.
وكان سبيل الحكام لدفع الأمرين المؤرقين، غالبا، كالتالي: قطع الطريق على الطامعين فى العرش، بقطع دابرهم! والتخفف من احتقار الذات، بتقريب الكبراء الحقراء .. فكلما احتقر الحاكم حاشيته المقربين، وكلما بالغو فى تبجيله وإعلائه بمداهنتهم إياه، خفّ عنده ذلك الإحساس باحتقاره لذاته"
..........................................................
حين يمتطي الأديب صهوة التاريخ متمكنّاً من زمام اللغة .. هذا هو يوسف زيدان
.
رواية رائعة تحتمل بحثا تاريخيا موجهاً بمهارة و خبث شديد , يوجه صفعة متقنة و ممتعة للمجتمع الذكوري البطريركي و أيصاً للنسويات اللائي يطالبن بتحرير المرأة عن طريق تذكيرها . لا أنصح بقرائتها لمن دون ال 18.



View all my reviews

27‏/10‏/2011

محنة رجل في المنتصف .. د. أيمن محمد الجندي



أن تكون دائما في المنتصف: منتصف العمر، منتصف المذاهب، منتصف الطريق. لا تقوم لك حجة هنا حتى تقوم لك حجة هناك‼، ولا تجد عيبا هنا إلا وجدته هناك‼. صواب هنا وصواب هناك‼، وخطأ هنا وخطأ هناك‼. فيما الناس من حولك واثقون، متحمسون‼. يؤمنون بصواب معتقدهم، ويمتلكون اليقين. ينامون ملء جفونهم، ويذهبون –مطمئنين- إلى نهاية الطريق، فيما أنت دائما في البين بين‼.

هل تعرف -يا مسكين- ماذا يترتب على هذا كله؟:

إنهم جميعا يرفضونك‼.. يكرهونك‼. يتفقون عليك‼.

خذ عندك السلفية. لا تنكر حججهم القاطعة، واهتمامهم بالدليل، بعد إهمال الحواضر له في مصر والشام، ممثلة في خطب جمعة مليئة بالهراء، مسكونة بإرهاب الميكروفون، يحكي الإمام ما راق له، غير عابئ بحر وبرد، وملل وفتور. حكايات فلكورية يتدخل فيها مفهومه الريفي البسيط، دون أن يبالي بثقافة الدليل.

جاء المد السلفي فغير هذا كله، ولم يعد ممكنا أن تسمع رأيا بغير دليل، صار المعلوم من الدين قليلا، لكنه دقيق، مدعم بنصوص قاطعة، واضحة الدلالة.

لكنك رغم إعجابك بهم لا تستطيع أن تمضي معهم إلى نهاية الطريق.. ثمة غلظة، وعنف، وتشدد فيما لا يجب التشدد فيه، مع جرأة غير محمودة تخلع تيارات معتبرة من أهل القبلة من الدين الصحيح. يحتكرون الحقيقة، ويمتلكون الصواب، ويشتطون في تكفير الشيعة، وتبديع المتصوفة، في عنف منقطع النظير.

الفروع عندهم كالأصول، بل إن تقسيم الدين إلى لب وقشور يعتبرونه بدعة، اهتمامهم باللحية والنقاب يفوق اهتمامهم بتزوير الانتخابات، أو سد الفجوة العلمية مع الغرب، أو العلاقة بين الحاكم والمحكوم. لا يسمحون بتباين الآراء، وكثرت جرأتهم على كل مجتهد مخالف.. الشيخ الغزالي ضال منحرف‼، ووصلت القحة إلى تأليف كتاب عنوانه: إسكات الكلب العاوي يوسف القرضاوي!!. أي مخالف لطريقتهم هو علماني على الفور، هكذا دون ضبط للمصطلحات.
والخلاصة أنك معجب بهم، وضائق بهم‼. مقبل عليهم، ومدبر عنهم، لا تغمطهم حقهم ولكنك لا تمضي معهم إلى نهاية الطريق‼.

والصوفية، أهل الزهد والذكر، والخلوة والسكينة. نبلاء عالم الحب، وفرسان مملكة الروح. لا تستطيع أن تكتم إعجابك بالصوفية من حيث هي فرار إلى الله، ورياضة نفسية، وخلاص من ماض أليم، وشحنة من إيمان يخرج بها المريد إلى أيامه القادمة وقد سمت روحه واستنار باطنه.. لا عجب أن كانت الصوفية (وستبقى إلى الأبد) واحة المقهورين وعزاء المعذبين.

لكن المشكلة العويصة أن الصوفية تم تشويهها مثل كل شيء جميل، حتى أصبحت -وأنت المحب لها- غير قادر على الدفاع عنها. خاصمت العقل، تصادمت مع ثوابت الدين، توسعت في المنطق الذوقي، اعتبرت التجربة دليلا على المشروعية، تحولت إلى موالد، وقبور، وبدع، وخرافات، ورايات، وادعاءات، ودفاع عن ممارسات، وهجوم على مخالفين، وهجوم أشد على منافسين.. ونسي الجميع الجوهر الجميل الذي لا علاقة له بهذه الأشياء!. نسوا الذكر والزهد، والطمأنينة والسكينة، والالتحام بالكون والارتماء في أحضان الطبيعة. وانشغلوا بالدفاع بما لا يجب الدفاع عنه، العبء القادم من عصور التخلف وسنين الانحطاط.

تريدهم؟ نعم. تحبهم؟ بالتأكيد. لكنك لا تستطيع أن تمضي معهم إلى نهاية الطريق.

والخلاف السني الشيعي؟ لا شك أنك رفيق بالشيعة، مقدر لحزنهم الكبير، ورغبتهم الخارقة في نصرة آل البيت، بعد تعرضهم لأكبر عملية استنزاف عاطفي في التاريخ، عن طريق استدعاء كارثة كربلاء ليل نهار، بالصوت والصورة، والرواية والتمثيل. لا تكفرهم كما يفعل السلفيون، مقتديا برأي الإمام محمد أبي زهرة، أهم عمامة أزهرية في القرن العشرين، الذي قال في كتابه عن الإمام الصادق: "خلافنا مع الجعفرية خلاف في الرأي والنظر، لا في الدين والعقيدة، لأن اعتقادهم في الإمامة لا يخرجهم من الدين". انتهى.

بل أبعد من ذلك، ربما تشاركهم بعض إحساسهم بالاستفزاز من مبالغة في مديح معاوية‼ وحمية في الدفاع عنه لا تجدها لمصارع آل البيت‼ لكنك رغم إيمانك بقضيتهم العادلة لا تستطيع أن تمضي معهم إلى نهاية الطريق، وتعتقد -كما يزعمون- أن التاريخ مؤامرة، والصحابة نكصوا، وخالفوا عهد رسولهم، واغتصبوا الإمامة من سيدنا علي. لا تستطيع أن تبتلع أن الفاروق -الذي ملأ الأرض عدلا- أجهض الزهراء وقتل بنت نبيه‼. هذا غير سائغ في شريعة العقل قبل شريعة الإنصاف‼ وإذا كان المتحدث مجنونا فليكن السامع عاقلا، ويحكم العقل في ركام المرويات، وأكاذيب تسللت إلى كتب التراث.

كل مشاكل المذهب الجعفري نشأت من نظرية الإمامة، ولو تأملها الشيعة بعقل مفتوح، بعيدا عن الاستنزاف العاطفي، لوجدوها تتعارض مع وضوح مقاصد القرآن الكريم. كيف تكون الإمامة ركنا ثم لا تذكر في القرآن الكريم ولو إجمالا؟. ولماذا يغتصب الفاروق الخلافة ويخالف عهد نبيه، ثم يرتدي خشن الثياب ويأكل الزيت الرديء‼. ولماذا سكت الإمام عن مغتصب حقه، وقاتل زوجته‼. وهو فتى الفتيان وفارس الفرسان، صاحب الشجاعة الخارقة.. كيف يقبل على كرامته كل هذا الهوان؟.

وما شجر بين الصحابة، أنت كذلك في المنتصف. لا تقبل الرواية السنية التي تبسط الأمور، ولا الرواية الشيعية التي تعقد الأمور. الصحابة نقلوا الدين فهم خير البشر. لكنهم بشر‼ ليسوا ملائكة يحلقون في السماء كالحلم السني، ولا كالكابوس الشيعي شياطين يتعاركون في سقر‼ وما شجر بينهم يجب أن يخضع للنقد والتحليل بغير قداسة محرجة ولا تشويه متعمد، لأنها فترة التأسيس التي ترتبت عليها أحداث اللحظة.

يتعامل السنة مع الفتنة بمنطق الأمنيات، وكأنها لم تكن‼ ويستخدمون في تبريرها أساليب مختلفة، فتارة ينهون عن الحديث عنها، وتارة يلصقون كل شيء بابن سبأ، المهم أن يكون العدو من خارجنا. والحقيقة أنه كان صراعا على السلطة، تم استخدام الدين فيه كستار، كما سيحدث بعد ذلك آلاف المرات. والدليل ما حدث بعد رفع قميص عثمان، وحمل المصاحف على الأسنة.. ببساطة حين تسلم معاوية الحكم، لم يعاقب قتلة عثمان، وورثه ابنه، حتى لو كان الملك يمر بذبح آل محمد‼ برغم ذلك وجدوا من يدافع عنهم‼.

الأمور واضحة وضوح الشمس، لا يوجد فيها تلبيس. أراد معاوية الدنيا ونالها، وأراد علي الآخرة ونالها (إن شاء الله).. لكن هذا شيء، وجرأة الشيعة على الشيخين شيء آخر. كيف تطاوعهم قلوبهم على مقت الصحابة، وكراهية أبي بكر وعمر، اللذين بذلا الغالي والنفيس، وحملا العبء في بدء الدعوة، ونشرا الإسلام في الأقطار المجاورة، وأقاما دولة العدل‼ والإمام علي نفسه صلى خلفهم، وتزاوج منهم، وأكل معهم، وصلى عليهم‼. وكيف يحولون الدين لمؤامرة متصلة ثم يطلبون من غير المسلمين الدخول في هذا الدين‼.

هكذا في البين بين، بين هذا وذاك، أنت دائما في المنتصف‼.

وبالنسبة للشأن المسيحي‼ أنت واحد من العقلاء القليلين في بر مصر.. آخر الفصيلة المنقرضة التي تحب المسيحيين، وتحزن للكراهية المتبادلة بينهم وبين المسلمين، في المحروسة التي لم تعد كذلك. وتؤمن بحقهم في اختيار عقيدتهم كما يشاءون، وتبوء المناصب التي يستحقونها على أساس المواطنة، وتحترم تراثهم الروحي البديع في المحبة.. لكنك في الوقت نفسه لا تهضم عقيدة التثليت، التي تنافي الفطرة، والعقل والمنطق، ولا تستطيع أن تقرها، أو تقارنها بالتوحيد الصافي في القرآن الكريم، الصورة المثلى للإله الرحيم، متكامل الصفات، التوحيد الذي لهثت البشرية وراءه، والفطرة المبثوثة في نفوس البشر، منذ عهد الذر القديم.

نفس الموقف مع اليسار، بشكل ما تعتبر كل إنسان "عنده دم" يساريا بالفطرة.. هذا باعتبار اليسار هو الانحياز للفقراء والمهمشين. عسير على المرء أن يقبل أن يقضي إخوانه في الإنسانية رحلة الحياة في فقر وحرمان دون أن يشعر بغصة في قلبه. أنت لا تجد أي مشكلة في التعامل بمرونة مع الفكر اليساري والاقتباس منه باعتباره منجزا بشريا لا يخلو من الحكمة.. حينما يعتبر ماركس الدولة أداة الطبقة العليا في قهر سائر الطبقات فإنك تصغي له، وهؤلاء الذين يتصورون أنها تستطيع القيام بالحكم بين الطبقات أو تنحاز للطبقات الدنيا يطلبون المستحيل‼.

لا شك أن في اليسار أشياء رائعة. لاحظ أن معظم الموهوبين من أهل اليسار، لكنك لا تمضي لهم حتى نهاية الطريق.. المشكلة تحدث حينما تتحول الماركسية من إنجاز بشري لمعتقد‼ أو يتبنى النظرة المادية الجدلية التي لا طائل وراءها، أو يناصب الدين العداء، برغم نقاط الاتفاق المشتركة، لا تكاد تخلو صفحة واحدة من القرآن من الدعوة للصدقة والحث على الإنفاق.. بل وجعل هناك حدا أدنى لا يمكن النزول عنه وهو الزكاة.

حينما يضع اليسار نفسه في صدام مع الدين فهو الخاسر بالضرورة، والعاقل يعرف أن مقدسات الدين خط أحمر لا يمكن تجاوزه.. فهمها نابليون فأعلن إسلامه (ولو كده وكده)، وحفظ هذا الدرس الإنجليز فحكموا البلاد بلا ثورات، عكس الأمريكان الحمقى الذين توالت عليهم هجمات المقاومة.

والخلاصة أنك بسبب البين، ووقوفك عند تقاطع الطرق، صار يهاجمك الجميع، لأنك ببساطة لا ترضي أحدا‼ هؤلاء الذين يريدون الثناء بلا تحفظ، والرضا بغير سخط، ومهاجمة الخصوم بلا توقف. هاجمك السلفيون والصوفيون، والمسلمون والمسيحيون، والشيعة واليسار.. وإن كان السلفيون أعنفهم للأسف‼.

ولو أنصفوا لوجدوا الحياة أكبر من أن تختصر في فكرة واحدة. والبديل هو التعدد واتساع الرؤيا كما تحاول أن تفعل، مستلهما الكون في اعتقادك: تضاريس الأرض المختلفة بين سهول وجبال، وبحار وأنهار، وغابات وصحراوات.. البرد والحر وتنوع الفصول.. بلايين المخلوقات المتنوعة التي تدب على سطح الأرض وتشاركنا رحلة الحياة - كون بأكمله من الكائنات الدقيقة، أجناس لا حصر لها من بني الإنسان، أجرام سماوية بنجومها ونيازكها وكواكبها.

نفس التنوع في عالم الأفكار، تحب في اليسار انحيازه للفقراء، وفي اقتصاد السوق تشجيعه للقوى الكامنة في الإنسان، وفي الليبرالية إيمانها بحق الإنسان في تحديد مصيره، وفي الديمقراطية رفضها لاستبداد فرد، وفي الصوفية عنايتها بالروح، وفي التدين الشعبي حب آل البيت، وفي المعتزلة إيمانهم بالعقل، وفي السلفية اهتمامهم بالدليل. تنوع يضاهي تنوع الكون من حولك في ملكوت السموات والأرض.

لكن السؤال المهم الذي يهمك إجابته هو: لماذا يأبى المجتمع أن يتقبل رجلا مثلك في نصف الطريق؟

29‏/9‏/2011

الشّهادة

- أرجو من الجميع التزام الهدوء .. اسمك و سنك يا مواطن !
- محمد حسين طنطاوي .. وزير الدفاع
- السادة المحامين , سأترك الشاهد يروي شهادته لتسلسل الأحداث منذ الساعات الأولى للثورة ,بحرية تامة .. ولكم أن تسألوه بعد أن ينتهي .. تفضل يا سيادة المشير 
- بسم الله الرحمن الرحمن .. اجتمعت و الرئيس السابق و وزير الداخلية السابق و مدير المخابرات العامة السابق يوم 23 يناير لبحث كيفية التعامل مع المظاهرات المخطط لتسييرها يوم الخامس و العشرين .. لم يتوقع أحد أن تكون الحشود بهذه الضخامة فكانت الاستعدادات عادية جدا .. اجتمعنا ثانية مساء الخامس و العشرين لبحث التطورات غير المتوقعة .. طلب وزير الداخلية أن يساعده الجيش , لأنه يرى أن الشرطة لن تستطيع التصدي لكل هذه الجماهير .. أنا و قيادات القوات المسلحة جميعا كان لدينا الكثير من التحفظات على الطريقة التى أديرت بها البلاد قبل الثورة .. كان لدينا اتفاق غير مكتوب على دعم أي تحرك شعبي قوي من أجل التغيير بكل ما نستطيع .. كانت مظاهرات الخامس و العشرين من يناير مفاجأة سعيدة بالنسبة لنا .. لكننا لم نشأ التدخل منذ البداية , حتى لا يبدو الأمر كأنه مجرد انقلاب عسكري , و لأننا كنا ننتظر اتساع المشاركة في الثورة لتشمل جميع طوائف الشعب .. 
لذلك , حين طُلب مني إشراك الجيش في قمع الغضب الشعبي طلبت مهلة للتشاور مع قيادات القوات المسلّحة للوقوف على مدى جاهزيتها للاضطلاع بهذه المهمة .. 
أبدى جميع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلّحة غضبهم الشديد بسبب التعامل القاسي جداً من قبَل الشرطة مع الشباب الغاضب , و لكن آثرنا تأجيل التدخّل إلى الوقت المناسب .. 
ثم حدث أن انهارت الشرطة في جمعة الغضب و طلب منّي الرئيس السابق النزول بقوات الجيش فوراً للتعامل مع المتمرّدين على حد تعبيره .. أخبرته أن الجيش ليس لديه الخبرة الكافية للتعامل مع أعمال الشغب و لكن يمكن أن ينزل من أجل تأمين االمنشآت و الأماكن الحيوية  ..  فوافق على مضض .. و مع استمرار المظاهرات و سقوط البورصة و تراجع السياحة و إصابة الدولة بحالة من الشلل , انتابت الرئيس السابق حالة من الغضب الشديد و نفاد الصبر .. طلب منى التعامل  مع المتمردين و إخلاء ميدان التحرير فوراً و إلا سيكون له معي تصرّفٌ آخر !
أخبرت أعضاء المجلس الأعلى بالتطور الخطير , و رأينا جميعاً أنّه حان الوقت للتدخل .. أرسلنا للرئيس السابق نخّيره بين الاستجابة الفورية لكافّة مطالب المتظاهرين المشروعة , أو الانقلاب .. وافق الرئيس السابق على التنحّي حفاظاً على ما تبقّى من هيبته .. لكن في آخر لحظة , تدخّل نجلُهُ جمال .. و عدّل خطاب التنحّي إلى تفويض عبثيّ للسلطات إلى نائب رئيس الجمهورية !
هنا , أصبحنا مضطرين لاتّخاذ الخطوة المؤجلّة , لكّن فضّلنا أن يبدو الأمر و كأنّ الرئيس السابق قد تخلّى عن المنصب من تلقاء نفسه , حتى لا نسرق فرحة الجماهير الثائرة بانتصارها .. فكان خطاب التخلّي التاريخيّ الذي ألقاه السيد عمر سليمان ..
أرجو من سيادتكم الالتزام بحظر النشر فيما يخصُّ هذه الشّهادة , كي تظلّ الثورة للشعب وحده .. فالقوات المسلحة سعيدة بأن تكون هي الجنديّ المجهول .. المستعدّ للتضحية بدمائه من أجل الوطن و شعبه العظيم ..
حفظ الله مصر و وفّق شعبها لما في خيرها و رخاؤها ...
" تصفيق حار اندلع في جنبات القاعة ..  غطّى على صياح المتهمين بأنهم مظلومون و أنّ المشير يكذب .. لم يسمعهم أحدٌ بسبب الهتافات المدوية بحب الجيش و المشير .. القاضي و مساعدوه انخرطوا في البكاء تأثّراً بما فعله الجيش في الخفاء من أجل البلاد ..
أغربُ ما في الأمر أنّ هيئة الدفاع عن المتهمين شاركت بحماسة منقطعة النظير في التصفيق و الهتاف .. كبير محاميّي المتهمين يهرول نحو المشير لتقبيل يده , فيسحبها الأخير بسرعة في حياء .. 
بعد ساعات قليلة قامت إحدى صحف الثورة بتسريب النص الكامل لشهادة المشير , ثم أذاعتها كافة القنوات و الصحف , فانطلقت المظاهارت العارمة تعبيراً عن حب الشعب للمشير و جيشه .. و مطالبةً ببقاء المشير و مجلسه في السلطة حتى تسترد البلاد عافيتها .."
و هكذا , عاش الشعب و الجيش في تبات و نبات و رخاء و حب .. 
لكنّ أحداً لم يتذكّر أن المشير لم يحلف اليمين قبل الإدلاء بشهادته .. و هذا ليس مهماً بالطبع !







24‏/6‏/2011

8 يولية ..ليه ؟

أسباب النزول يوم 8 يوليو- جمعة الصمود -كثيرة ، و هناك الكثير من المطالب التي تم الاتفاق على أن تُرفع في ذلك اليوم .
منها محاكمات رموز النظام السابق التي لا نرى سبباً لكل هذا التأخير فيها سوى أن السادة الكبار لا يزالون مشتاقين لأيام سيدهم القديم .سبب آخر ،هو الإهمال المتعمّد لملف الأموال المهربة ،حيث كشفت حكومات عديدة ،أن مصر لم تتقدم بطلبات لتجميد أو استرداد أموال رجالات النظام !في الوقت الذي يطالبنا فيه المجلس المقدس بضبط النفس و التحلي بفضيلة الصبر ،لأنه مضطر لمحاكمتهم مدنيا ،-الذي تعترف به دول العالم -كي نتمكن من استرداد أموالنا المنهوبة !
أيضاً ،ضباط الشـُرطة المتـّهمين بقتل الثوّار ما زالوا في أماكنهم ،لم يتم حتى إيقافهم عن العمل حتى انتهاء التحقيقات .كيف ننتظرالأمان من شرطيّ  ربما يكون من قاتلينا؟
البعض يرى -و أنا منهم -أن الثورة يجب أن تستمر ،و تهدم الفساد الذي ما زال مستشريا ً.هل أنت راضِِ ٍ عن صاحب الشرعية من التحرير عصام بك شرف  ، وحكومته الموقرة ؟
هل أنت راض  عن الموازنة المالية التي وضعها الجهبذ سمير-يوسف غالي -رضوان ؟و قروض المؤسسات المالية الدولية التي كانت دائمة لاثناء على غالي و نظيف وسياستهما الاقتصادية الرائعة ؟.قرأت-لا أذكر أين -أنّ دولة ً أفريقية ً قدد سددت للبنك الدولي 700 مليون دولار من قرض قيمته 50 مليون دولار و لا تزال مدينة له حتى اليوم . نعم ، الأرقام صحيحة ،أنا متأكـّد .القروض التي تمنحها تلك المؤسـّسات دائما ًما تكون مشروطة بعديد ٍمن الإصلاحات الإقتصادية النـّيو-ليبرالية ، و التي تستهدف رفع  يد الدولة تماما ًعن الاقتصاد ،و أن تكون الحاكمية لكل شيء في البلد لقوانين السوق و مفاهيم العرض و الطلب .وربما تكون  هناك  شروط و اتفاقيات ذات علاقة بالقروض يتم تمريرها بشكل سري .
و ليس تلك السياسات بمستغربة من عصام شرف و سمير رضوان .هم أعضاء سابقين في أمانة السياسات -بالمناسبة أطالب المجلس العسكري بإحصاء من لم يكونوا أعضاء في أمانة السياسات اللعينة -
الحد الأدنى للأجور المضحك الذي أعلنه سمير رضوان .فإعلان الحد الأدنى ، دون حد أقصى ،سيتسبب دون شك في ارتفاع سريع في الأسعار .و لن يتحمل تلك الزيادة سوى الذين يفترض أنّ رفع الحد الأدنى للأجور يستهدف التخفيف عنهم .
كان يمكن الوصول لرقم أفضل بكثير من الـ 700 جنيه دون أن تتحمل خزينة الدولة أي عبء إضافي لو تم تحديد الحد للأجور بما لا يزيد عن 25 ضعف الحد الأدنى .
من الأسباب أيضاً ،المطالبة بتجميد مشاركة أعضاءالحزب الوطني المنحل -في الحياة السياسية ،لفترة لا تقل عن 5 سنوات .هؤلاء ،عن عمد أو غير عمد ، قد ساهموا في إفساد الأجواء طيلة الـثلاثين  عاما الماضيا , وربما قبل ذلك .لقد أفسدوا السياسة و الاقتصاد و المجتمع.. الهواء الجوي و نهر النيل لم يسلما من فسادهم ,فأضعف الإيمان أن يوقـَف هؤلاء إلى أن ننتهي من بناء بلدنا في أجواء خالية من الفساد.
أيضا ً سأطالب بوقف المحاكمات العسكرية للمدنيين .المحاكمات الظالمة التي لا تظلـُّم فيها ولا استئناف .المحاكمات العسكرية ،سيادة المشير،للعسكر فقط.
أضف إلى ذلك تطهير الإعلام و القضاء و حل المجالس المحلية و التوقف عن إصدار القوانين دون حوار جاد يشمل كل التيارات و الطبقات و إلغاء قانون تجريم الإاعتصامات العمالية التي وصفوها ظلما بالفئوية !
ليست هذه بالطبع كل المطالب .أنا شخصيا لن أكتفي بكل ما سبق من مطالب ،و سأنزل كي أحلم بمصر التي أريد ...

20‏/6‏/2011

و الله العظيم لسة فيه أمل !

جرب أن تسأل مواطنا عادياً عن رأيه فيما يجري على الساحة , و إن كان يفضل أن يكون الدستور أولاً أم البرلمان .ستسمع دون شكٍ إجابة ليست رومانسية بالمرة , بل و ربما أخبرك المواطن بكل ديمقراطية عن رأيه في أمهات كل من يتصدرون المشهد السياسي حاليا ً.
لا يهمني شكل الدستور القادم و لا الأغلبية المسيطرة على البرلمان , ولا يهمني إن كان نظام الحكم برلمانياً أو رئاسياً.و من بين كل مرشحي الرئاسة لا يعنيني أيهم سينال المنصب .ما يهمني حقا , و كل مصري , أن نصل إلى مصرٍ أفضل .قوية , متقدمة سياسياً  و اقتصادياً و علمياً  و اجتماعياً و عسكرياً.
وطن يحب أبناءه جميعاً , دون شروط.
أخبرني صديقي السلفي أنه غير راض عن أحوال البلاد , ويتمنى لها الأصلح بأي طريقة كانت , و مهما كان الرئيس القادم .قال لي: لسنا -أي السلفيون- أصحاب محمد , و ليسوا- أي العلمانيون - كفار قريش .لا أخفي عليكم أني بمجرد سماعي لكلامه طرت فرحاً , و أدركت أن "الدنيا لسه بخير " و عرفت أن المستقبل لمصر.
السلفي مثلاً , لن يرفض أن تكون مصر قويةٌ ترفع راية الإسلام خفاقة , تدافع عن المسلمين و ترفع الظلم عنهم و تستعيد الأرضَ المغتصبة .. حتى لو تم ذلك بدستور علماني .
و العلمانيُّ لن يرفض دولة مدنية بدستور يحافظ على كل الحقوق و الحريات و يحمي الأقليات و يساوي بين كل المواطنين ...حتى لو كانت مرجعية ذلك الدستور هي شريعة الإسلام.
الأيديولوجيات كلها -بل و حتى الأديان -؛ مهما اختلفت و تباينت و تناقضت , قد اتفقت في جوهرها على غاية سامية وحيدة , هي الوصول بالإنسان إلى حياة أفضل .
و كي تتحقق تلك الغاية ، فقبل تطبيق أي أيديولوجيا -أو تعاليم الأديان - يجب أن يتم تكييفها على واقع البلاد و العباد و طبائعهم و احتياجاتهم .
المشكلة أن كل صاحب فكر أو اتجاه يريد تطبيقه كما أنزل , دون أدنى استعداد للتنازل من أجل مصلحة الوطن , و بغض النظر عما يحتاجه المجتمع .
آن الأوان لكافة التيارات و القوى السياسية , الإسلامي منها و العلماني ,أن تعود للشعب ,تتعلم منه و تعمل من أجله . فليس هذا وقت الجري وراء مكاسب سياسية رخيصة .ليس هذا و قت التناحر من أجل الفوز بأكبر قطعة من الكعكة .حان وقت البناء , و ما أن يتم البناء تناحروا كيف شئتم . و تذكروا دائماً أن الخلاف المطلوب و الذي يصب في مصلحة الوطن , هو اختلافٌ في الوسائل لا في الغايات.
تفائلوا يحببكم الله :)